إِلَى بَابِ دَارِ الإِمَارَةِ إِذْ بَلَغَهُمْ قُدُومُهُ وَدُخُولُهُ عَلَى رَوْحٍ، وَكَانَ رَوْحٌ إِذْ ذَاكَ أَمِيرَ إِفْرِيقِيَّةَ فَمَكَثُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُمْسِيًا يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: عَافَى اللَّهُ، وَهُوَ مَحْمُودٌ، فَقَالَ لَهُ الْبُهْلُولُ: وَمَا عَزَمْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلا أَبِيتَ بِهَا فَيَبْدُو لَهُ، فَيُوَجِّهُ وَرَائِي.
فَذَهَبَ الْبُهْلُولُ وَأَصْحَابُهُ مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ بَابِ تُونُسَ وَالْبَوَّابُ يُرِيدُ غَلْقَ بَابِ الْمَدِينَةِ لِدُخُولِ اللَّيْلِ، فَسَأَلُوا الْبَوَّابَ أَنْ يَمْكُثَ حَتَّى يَذْهَبُوا مَعَ عَلِيٍّ إِلَى وَادِي أَبِي كُرَيْبٍ، وَيَحْبِسَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَفَعَلَ، وَتَوَجَّهُوا حَتَّى وَدَّعُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ وَحْدَهُ عَلَى حِمَارِهِ إِلَى تُونُسَ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَحَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْبُهْلُولِ بْنِ رَاشِدٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قِنْدِيلا دَخَلَ مِنْ بَابِ تُونُسَ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ فِي دَارٍ فِي رَحْبَةِ بَنِي دَرَّاجٍ، فَقَالَ لَهُ: أَتَعْرِفُ الدَّارَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، فَقَالَ الْبُهْلُولُ: قُومُوا فَقَدْ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ، فَقُمْنَا وَقَامَ الرَّجُلُ مَعَنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَحْبَةِ ابْنِ دَرَّاجٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي رَأَيْتُ الْقِنْدِيلَ دَاخِلا فِيهَا، فَسَأَلْنَا فَقَالُوا: هَذَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قَدْ جَاءَ فِي السَّحَرِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ بُهْلُولٌ، فَدَخَلَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ بُهْلُولٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ حَتَّى دَخَلَ أَبُو مُحْرِزٍ، فَسَلَّمَ، فَشَفَّفَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي السَّلامِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَحَدَّثَنِي جَبَلَةُ بْنُ حَمُّودٍ، عَنْ سُحْنُونٍ، قَالَ: كَانَ الْبُهْلُولُ يَأْتِي إِلَى عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ يَسْمَعُ مِنْهُ، وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ، يَعْنِي فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ خَيْرَ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ فِي الضَّبْطِ لِلْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute