والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - ى الله عليه وسلم - ربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا منه - صلى الله عليه وسلم -
واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد.
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة.
وتأمل سياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: ٢٥] ، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: ٢٥] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى – في شأن غزوة أحد -: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ، [آل عمران، من الآية: ١٥٢] .
والخلاصة إن هذه الآثار الواردة في تعيين القائل يوم حنين "لن نغلب اليوم من قلة" كلها ضعيفة مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل -كما أوضحت ذلك– ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله وهي بمجموعها يؤيد بعضها بعضا ويزيدها قوة قوله تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[سورة التوبة، من الآية: ٢٥] .
فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنه ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة.