للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: ٢٥] .

قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: ٢٦] ، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين١: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه٢.

وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة.

فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد٣ بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي


١ قوله: والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا فقد ورد في حديث ابن مسعود قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله - عز وجل - عليهم السكينة. تقدم الحديث برقم (٧٤) .
والظاهر جميع من حضر من المؤمنين كما قال الشوكاني، يؤيد هذا ما قاله الطبري: "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة". (ابن حجر: فتح الباري ٨/٣٠، والزرقاني: شرح المواهب ٣/٢٠) .
٢ الشوكاني: فتح القدير ٢/٣٤٨.
٣ أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الحادية عشرة (ت ٢٦١) /خ م س ق. (ابن حجر: التقريب ١/٢١، وتهذيب التهذيب ١/٦١. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل ٢/٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>