دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال:"وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم".
قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع١
١ انظر: ابن هشام: السيرة النبوية ٢/٤٣٧-٤٣٩ وابن قيم الجوزية: زاد المعاد ٣/٤٦٥-٤٦٧. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية ٣/٨