للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نبرح حتى يفتح الله علينا؟ والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا قد لقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرق الله تلك الجموع! وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا! وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى وقال: قد رأينا الحديبية ودخلني في الحديبية من الشك ما لا يعلمه إلا الله، وراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام ليت أني لم أفعل، وأن أهلي ومالي ذهبا ثم كانت الخيرة لنا من الله فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيراً للناس من صلح الحديبية – بلا سيف دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل – من يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا! والأمر أمر الله وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء! ١.

وهذه الآثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، وقد تقدم ما نقله ابن كثير من الحكمة في ذلك٢.

ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى صعوبة الموقف وتأزم الأمور وكثرة الإصابات في أصحابه، أشار إليهم بترك الحصار والرجوع إلى الجعرانة ولكن لما رأى تحمس أصحابه وتصميمهم على الفتح ورغبتهم في ذلك واصل بهم حتى وافقوا في نهاية المطاف وعلموا أن المصلحة فيما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو صريح حديث الصحيحين وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:

١٦٩- حدثنا علي٣ بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله٤ بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف،


١ مغازي الواقدي ٣/٩٣٥-٩٣٦.
٢ ص ٣٣٢.
٣ علي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار، وأبو العباس: هو السائب بن فرخ المكي الأعمى.
٤ اختلف في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومدار الحديث على سفيان بن عيينة، وقد اختلف فيه عليه، فمنهم من قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومنهم من رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ومنهم من رواه بالشك، وقد رجح كونه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب:
يحيى بن معين، والدارقطني، وأبو زيد المروزي، وأبو بكر البرقاني قال ابن حجر: واخرج الحديث الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: "عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخراً كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي عن عليّ بن المديني قال: "حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص. وعند أبي عوانة: بلغني أن إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا": "عبد الله بن عمرو" ورواه عنه - أي سفيان - من أصحابه ممن يفهم ويضبط فقالوا: "عبد الله ابن عمر".
وعند أحمد في هذا الحديث: فقيل لسفيان: ابن عمرو، قال: لا. ابن عمر (شرح النووي لصحيح مسلم ٤/٤٠٩ وفتح الباري ٨/٤٤-٤٥ و ١٠/٥٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>