للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمرة فخطفت١ رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه٢ نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا٣ ولا جبانا" ٤.

قال ابن حجر: "في هذا الحديث: ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب، وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا


١ قوله فخطفت رداءه: وعند عبد الرزاق وهو على راحلته.
قال ابن حجر: "وفي مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة (في كتاب مكة) حتى عدلوا بناقته عن طريق، فمرت بسمرات فانتهسن ظهره وانتزعن رداءه، فقال: "ناولني ردائي" فذكر نحو حديث جبير ابن مطعم وفيه "فنَزل ونزل الناس معه فأقبلت هوازن فقالوا: جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك، ونستشفع بك إلى المؤمنين" فذكر القصة. (فتح الباري ٦/٢٥٤) .
والزرقاني شرح المواهب ٣/٤٠ ووقع عنده (عمرو بن شبة) وصوابه (عمر) .
٢ والعضاه بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة، وفي آخرها هاء، يقرأ في الوصل وفي الوقف بالهاء. واختلف في واحدها فقيل: عضة - بفتحتين - مثل شفة وشفاه، والأصل عضهة وشهقة فحذفت الهاء، وقيل: واحدها عضاهة.
قال القزاز: "العضاه: شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر، ويدخل فيه السمر" (فتح الباري ٦/٢٥٤، ولسان العرب ١٧/٤١١) .
٣ وعند عبد الرزاق وأحمد وأبي يعلى والطبري والطبراني "ولا كذابا" قال الزرقاني: أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا كذب ولا ذا جبن، فالمراد نفي الوصف من أصله، لا نفي المبالغة التي تدل عليها الثلاثة، لأن كذوبا من صيغ المبالغة، وجبانا صفة مشبهة، وبخيلا يحتمل الأمرين.
قال ابن المنير: "وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات اللطيفة لأنها متلازمة، وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة، وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد، لأن الخلف إنما ينشأ من البخل".
وقوله: "فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم: تنبيه بطريق الأولى لأنّه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال (ثم) هنا بعدما ما تقدم ذكره ليس مخالفا لمقتضاها، وإن كان الكرم يتقدم العطاء، لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء، وليس المراد (بثم) الدالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف، كأنه قال: أعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم، فقد يكون عطاء بلا كرم، كعطاء البخيل ونحو ذلك". (شرح المواهب اللدنية ٣/٤٠-٤١) والكندهلوي أوجز المسالك إلى موطأ مالك ٨/٣٢١-٣٢٢.
٤ البخاري: الصحيح ٤/١٩ كتاب الجهاد، باب الشجاعة في الحرب والجبن ٤/٧٥ كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه.
وعبد الرزاق: المصنف ٥/٢٤٣. وأحمد: المسند ٤/٨٢-٨٤.
وأبو يعلى: المسند ٦/٦٨٣ أرقم ٣٠٦. الطبري: تهذيب الآثار كما في كنز العمال ١٠/٣٥٧، ومنتخب كنز العمال ٤/١٧٠، والمواهب اللدنية ١/١٦٧. والطبراني: المعجم الكبير ٢/١٣٤-١٣٦. أبو عبيد: كتاب الأموال ص ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>