للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المنطقة يعظمونه ويذبحون له، ويهدون له، ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج.

وكانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم١ من عرب أهل يثرب وغيرها يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوا مناة فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده، ولا يرون لحجهم تماما إلا بذلك.

ومناة هذه هي التي ذكرها الله عز وجل فقال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} ، [سورة النجم، الآية: ٢٠] . وكانت لهذيل وخزاعة، وكانت قريش وجميع العرب تعظمه٢ ا.?.

هكذا ذكر ابن الكلبي عن تعظيم العرب لمناة ومكانته في نفوسهم.

١٧- وقد ورد عند البخاري وغيره من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قال: قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذ حديث السن -: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، [سورة البقرة، الآية: ١٥٨] ، فلا أرى٣ على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: "كلا، لو كانت كما تقول٤ كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين


١ الإخذ: بكسر الهمزة، قال ابن منظور: والعرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا بكسر الهمزة أي أخذت بخلائقنا وزينا وشكلنا وهدينا. (لسان العرب ٥/٣-٤) .
٢ ابن الكلبي: كتاب الأصنام ص١٣-١٥.
٣ فلا أُرى - بضم الهمزة - أي فلا أظن.
٤ قوله (لو كانت) أي هذه الآية (كما تقول) أي كما تأولها عليه من الإباحة (لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة "لا" بعد "أن" فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه، وذلك حقيقة المباح، فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه.
قال النووي: "قال العلماء: هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي، ولا على وجوبه، فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبيَّنت السبب في نزولها، والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت لا جناح عليه ألا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة، وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس، فسأل عن ذلك فيقال في جوابه: لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت، فيكون جوابا صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر". إهـ. (شرح النووي على صحيح مسلم ٣/٤١٠. وانظر: ابن حجر: فتح الباري ٣/٤٩٩، والمباركفوري: تحفة الأحوذي ٨/٣٠٢، ومحمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود ٥/٣٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>