للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٤٩ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: أَهْدَى أَلْيُونُ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى مَسْلَمَةَ لُؤْلُؤَتَيْنِ وَهُوَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَشَاوَرَ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَقَالُوا: «لَمْ يُهْدِهِمَا إِلَيْكَ إِلَّا لِمَوْقِعِكَ مِنْ هَذَا الْجَيْشِ، فَنَرَى أَنْ تَبِيعَهُمَا، وَتُقَسِّمَ ثَمَنَهُمَا عَلَى هَذَا الْجَيْشِ» ⦗٢١٤⦘ فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَهْدَى إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونِ، وَفِيمَا فَعَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ الصِّدِّيقُ، وَقَالَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ رَدِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَدَّ مِنْ هَدِيَّةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ، كَانَ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ، إِذْ مِنَ الْمُحَالِ اجْتِمَاعُ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَإِبَاحَةُ ذَلِكَ وَحَظْرُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، إِذْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ خِلَافًا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ سَبَبَ قَبُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَبِلَ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرُ سَبَبِ رَدِّهِ مَا رَدَّ مِنْهُ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ سَبَبَ اخْتِلَافِ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَحَدَ فِعْلَيْهِ كَانَ نَسْخًا لِلْآخَرِ فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، كَانَ مُبَيَّنًا ذَلِكَ فِي النَّقْلِ، أَوْ كَانَ عَلَى النَّاسِخِ دَلِيلٌ مُفَرِّقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْسُوخِ، إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْوَاجِبِ مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، إِمَّا بِنَصٍّ عَلَيْهِ، أَوْ دَلَالَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَهُمْ عَلَى اللَّازِمِ لَهُمْ فِيهِ فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبُولِهِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ فِي حَالٍ، وَرَدِّهِ إِيَّاهَا أُخْرَى، لِلْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْتُ، فَبَيِّنٌ بِذَلِكَ أَنَّ سَبِيلَ الْأَئِمَّةِ وَالْقَائِمِينَ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ، سَبِيلُهُ , فِي أَنَّ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ رَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، هَدِيَّةً، فَلَهُ قَبُولُهَا وَصَرْفُهَا حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ مَا خَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ إِيجَافٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَهْدَى مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَهْدَاهُ وَهُوَ مُنِيخٌ مَعَ جَيْشٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعَقْوَةِ ⦗٢١٥⦘ دَارِهِمْ مُحَاصِرًا لَهُمْ، فَلَهُ قَبُولُهُ وَصَرْفُهُ فِيمَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَصْرُوفًا فِيهِ مَا خَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِالْغَلَبَةِ لَهُمْ وَالْقَهْرِ، وَذَلِكَ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، كَالَّذِي فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْوَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ، إِذْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِهِمْ مُحَاصِرِينَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا قِتَالٍ فَأَمَّا مَا أَهْدَى لَهُ مُهْدٍ مِنْهُمْ مِنْ عَامَّتُهُمْ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِنِّي أَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلَهَا، كَالَّذِي فَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مِنْ رَدِّهِ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَهْدَى لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ؛ لِأَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ تَظْلَفَ نَفْسُهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، مَنْ كَثُرَتْ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِمْ وَأُمُورِ دِينِهِمْ، مِنْ إِمَامٍ، أَوْ عَامِلٍ لِلْإِمَامِ عَلَى الْحُرُوبِ، أَوِ الْأَحْكَامِ أَوِ الْمَظَالِمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ مَعَ قَبُولِهِ ذَلِكَ مِمَّنْ قَبِلَ مِنْهُ، اغْتِمَازٌ مِنَ السُّلْطَانِ فِي أَمْرٍ إِنْ عَرَضَ لَهُ قَبِلَهُ. وَسَوَاءٌ فِيمَا أَكْرَهُ لَهُ مِنْ قَبُولِ مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ الْمُهْدِي مُشْرِكًا حَرْبِيًّا، أَوْ مُعَاهِدًا ذِمِّيًّا، أَوْ كَانَ مُسْلِمًا، لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ السَّبَبِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَقَدْ

<<  <   >  >>