فهو أن يُلقي سمعه ويُحضِر قلبه، ويتدبر ما يستمع، فإن من لاَزَم هذين الأمرين حين يُتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرًا كثيرًا، وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًّا متجددًا، وهدًى متزايدًا، وبصيرةً في دينه؛ ولهذا رَتَّبَ الله حصول الرحمة عليها، فدل ذلك على أن من تُلي عليه الكتاب فلم يستمع له ويُنْصِت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير» اهـ (١).
وقال القرطبي - رحمه الله -: «حُسْن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه، فقال:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}(الزمر: ١٨)، وذم على خلاف هذا الوصف فقال:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}(الإسراء: ٤٧)، فمدح المُنْصِت لاستماع كلامه مع حضور العقل، وأَمَر عباده بذلك أدبًا لهم، فقال:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأعراف: ٢٠٤)، وقال هاهنا:{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}(طه: ١٣)؛ لأنه بذلك ينال الفهم عن الله تعالى.
وعن وهب بن مُنَبِّه - رحمه الله - أنه قال: من أدب الاستماع سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل؛ وذلك هو الاستماع كما يُحِب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى، ويَحصُر عقله فلا يُحَدِّث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم.