وقال الخازن - رحمه الله -: «وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب، وجمع الهَم وقت تلاوته، ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصِّرْف، وخلوص النية» اهـ (١).
وما ذكرته في الشرط الأول- وهو وجود المَحَل القَابِل- له اتصال وثيق بهذا الموضع، إلا أن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، فقد يكون صاحب القلب الحي مُشَوَّشًا أو مشغولًا، أو في موضع لا يتمكن معه من إحضار قلبه حال السماع أو التلاوة، فيقرأ الآيات أو السورة ويتجاوزها وهو لا يشعر؛ لأن قلبه لم يحضر معه لعارض.
وقد لا يكون القارئ أو المستمع من أصحاب القلوب الحية، لكنه لم يُطبع على قلبه، فإذا استمع أو قرأ مع حضور القلب، فإنه ينتفع.
[الشرط الثالث: وجود قدر من الفهم للكلام المقروء أو المسموع]
من المعلوم أن الفهم قضية نسبية، يقع فيها التفاوت كثيرًا، والناس فيها على ثلاث مراتب، ومن هنا حصل التفاوت بينهم في العلم والفقه.
ونحن لا نطالب العامي أن يفهم منه ما يفهم ابن عباس - رضي الله عنهما -، وإنما المقصود هنا حصول حد أدنى من الفهم لما يقرأ أو يسمع؛ بحيث لا يكون بمنزلة من خُوطِب بلغة غير لغته لا يعرفها، فإن من خُوطِب بما لا يفهم أصلًا، لا يمكن أن يتدبر مهما كان قلبه حيًّا وأحضره حال الاستماع أو التلاوة.
ومن هنا يتعيَّن علينا أن ننظر إلى هذا الشرط بنوع اعتدال، فلا نشترط منه قدرًا لا يصدُق إلا على العلماء، ولا نُلْغيه بالكلية فنطالب من كان بمنزلة الأعجمي