أن يتدبر القرآن، وقد وصف الله تعالى كتابه بقوله:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(فصلت: ٣)، وقال:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}(الشعراء: ١٩٥)، وقال تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}(فصلت: ٤٤)، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(يوسف: ٢)، إلى غير ذلك من الآيات الكريمات، كما أخبر أنه يسَّره للذِّكر فقال تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}(القمر: ١٧)، وقد سبقت الإشارة إلى العموم الوارد في الحث على تدبره:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ص: ٢٩)، ولم يخص ذلك بأهل العلم دون غيرهم؛ مع أن ما يحصل للعالم من ذلك لا يقاس بما يحصل لغيره.
قال ابن جرير - رحمه الله -: «وفي حَثِّ الله - عز وجل - عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات بقوله جل ذكره لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ص: ٢٩)، وقوله: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الزمر: ٢٧، ٢٨)، وما أشبه ذلك من آي القرآن التي أمر الله عبادَه، وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتِّعاظ بمواعظه- ما يدلُّ على أنَّ عليهم معرفةَ تأويل ما لم يُحجب عنهم تأويله من آيِهِ؛ لأنه محالٌ أن يُقال لمن لا يَفْهَمُ ما يُقال له ولا يعقِل تأويلَه:(اعْتَبِرْ بما لا فَهْم لك به ولا معرفةَ من القِيل والبيان والكلام) - إلا على معنى الأمر بأن يفهمَه ويفقَهَه، ثم يتدبَّره ويعتبرَ به، فأما قبلَ ذلك فمستحيلٌ أمرُه بتدبره وهو بمعناه جاهل، كما محالٌ أن يقال لبعض أصناف الأمم الذين لا يعقلون كلامَ العرب