إذا تقرر ما سبق، فإنه يتعين على قارئ القرآن أن يَسْتَصْحِب الأحوال والمُلَابَسَات التي نزل فيها القرآن، وكيف كان يعالج المواقف والوقائع حتى أخرج ذلك المجتمع والجيل الراشد الذي اهتدى بالقرآن، وحمل هداياته إلى نواحي المعمورة، وحقق انتشارًا وانتصارًا مُبْهِرَين في مدة قياسية قصيرة.
واليوم القرآن هو القرآن، والناس هم الناس، والصراع بين الحق والباطل قائم، والمواقف متكررة وإن تغيَّرت الأسماء، فما علينا إلا أنْ نَعِيَ كتاب الله تعالى ونتدبره، وعندئذ سنجد فيه ما يعيد الحق إلى نصابه، والعالَم إلى صوابه، فتتحرَّك عجلة التغيير من جديد كما كانت في عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، وذلك حينما نُحرِّر نصوص القرآن من قيد الزمان والمكان، والله المستعان.
وأما حضور القلب:
فلا يخفى أن تلاوة القرآن أو سماعه لا يمكن أن يحصل معهما تدبر أو اعتبار إذا كان القلب غائبًا؛ لأنه موضع العقل، وقد مضى قول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: «إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وأَلْق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله» اهـ (١).