حظيتِ المكتباتُ الغربيَّة بمئات المخطوطات العربيَّة في شتَّى ميادين المعرفة، وليتسنَّى للأوروبيين الاستفادة منها في الدِّراسات الشَّرقيَّة، قاموا بفهرستها وتصنيفها حسب أنواع العلوم، وطباعة هذه الفهارس ونشرها لتعريف المستشرقين بها.
وكانَ من أبرز هذه المكتبات التي حظيتْ بنَصِيبِ الأسد من تراثنا العربيِّ والإسلاميِّ، "المكتبة القيصرية" بفينَّا، حيثُ احتفظتْ بمئات المخطوطات العربيَّة والتُّركيَّة والفارسيَّة، وذلك في بداية القرن التَّاسع عشر، دون أنْ تُعرِّفَ الباحثين بفهرستها، إلى أنْ جاء المستشرق الألماني جُستاف فلوجل (١) وفَهْرَسَ محتويات هذه المكتبة، ونُشِرَ هذا الفهرس في فينَّا ما بين سنة (١٨٦٥ م) إلى سنة (١٨٦٧ م)، في ثلاثة مجلدات، تضمَّنت التعريف بالمخطوطات العربيَّة والتُّركيَّة والفارسيَّة.
وبقيتِ المكتبة القيصرية تسيرُ بعد ذلك بخطواتٍ حثيثة، في جمع تراثنا الإسلاميِّ من البلاد العربيَّة، إلن أنْ تجمَّعتْ لديها مئات المخطوطات غير المفهرسة في شتَّى العلوم، وتمَّ تغيير اسم المكتبة إلى المكتبة الوطنيَّة النَّمساويَّة، التي قامتْ بدورها بتكليف المستشرقة النَّمساوية هيلين لويبنشتاين بفهرسة المخطوطات العربيَّة التي لم يتضمَّنها فهرس فلوجل، فجاء فهرسها في مجلَّدٍ يحتوي على ما يزيد عن (٥٠٠) مخطوطة، ونُشِرَ في فينَّا سنة (١٩٧٠ م).
وتُعدُّ فهارس المكتبة الوطنيَّة النَّمساوية من الفهارس النَّادرة التي لم تُنشر في البلاد العربية، حيثُ مضى على نشر فهارس فلوجل ما يزيد عن مئة
(١) جُستاف ليبرشت فلوجل، مستشرق ألماني، وُلدَ في باوتسن بألمانيا سنة (١٨٠٢ م)، وتعلَّم بليبسك، وزارَ فيينا وباريس وبلادًا أخرى؛ للدرس والتنقيب في مكتباتها، واستقرَّ مدرسًا للغات الشرقية في معاهد بلاده، وتوفي في درسدن، سنة (١٨٧٠ م)، من آثارهِ: نجوم الفرقان في أطراف القرآن، ومختصرات من كتاب مؤنس الوحيد للثعالبي، "كحالة": (١/ ٤٨٤).