ونتعرف بهذا العلم على أسلوب القرآن الكريم في تكرير بعض الآيات بالكلمات المتفقة أو المختلفة، وحروفها المتشابهة، بأن تذكر الآية الواحدة ذات الموضوع الواحد في أكثر من موقع، مع إختلاف في جوانب التناول بين موقع وآخر، تقديما وتأخيرا، أو تعريفا وتنكيرا، أو جمعا وإفرادا، أو إبدال كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، إلى غير ذلك من أنواع التشابه، وكثيرا ما يتصل هذا الاختلاف بمناسبة السياق القرآني عرض الآيات، وذكر الأحداث التي يشتمل عليها.
إن هذا التنويع في الأسلوب القرآني هو لون عظيم من ألوان إعجازه، ووجه بديع من وجوه بلاغته، ذلك لأن تكرير الأيات القرآنية بألفاظ متفقة، أو مختلفة ليس كما قد يظنه بعض قصار النظر تكرارا خاليا عن فوائد وأسرار، وفي هذا الصدد يقول مؤلفنا أبو عبد الله الخطيب رحمه الله تعالى:
((إذا أو رد الحكيم- تقدست أسماؤه- آية على لفظة مخصوصة، ثم أعادها في موضع آخر من القرآن، وقد غير لفظة عما كانت عليه في الأولى فلا بد من حكمة هناك تطلب، وإن أدركتموها
٨
فقد ظفرتم، وإن لم تدركوها فليس لأنه لا حكمة هناك، بل جهلتم)) ١.
ومن هذا يتبين خطر هذا الموضوع، وأنه يجب أن يحاط بسياج من التحقيق العلمي الرصين، تتكسر دونه أمواج الشبهات التي يسوقها الجاهلون، وترتد عنه أعاصير المطاعن التي يثيرها الزائغون، وما أكثر هؤلاء وأولئك.