وأما قولهم إن هذه الشمس ترى من الثوابت نقطة لامعة كما ترى الثوابت من عندنا نقطاً لامعة, فهو من جنس ما قبله من الهذيان والتخرص, ومن هو الذي ذهب إلى النجوم الثوابت فرأى الشمس منها نقطة لامعة, وإذا كان الذهاب إليها ليس في مقدرة أحد من البشر فهل كان عندهم خبر ثابت عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك, وإذا كان ذلك معدوماً فليس لهم دليل سوى آرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة وتوهماتهم الخاطئة, وقد قدمنا من الآيات والأحاديث ما يكفي في ردها والنداء على بطلانها.
المثال الرابع عشر هذيانهم في وصول نور الشمس والكواكب إلينا. فأما الشمس فزعموا أن نورها يصل إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. ذكره الألوسي عنهم في صفحة ٣٤. وأما الكواكب الثوابت فزعموا أن منها ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء. ذكره الألوسي أيضاً في صفحة ٣٤. وقال محمد رشيد رضا في صفحة ٦٣٧ من الجزء السابع من تفسيره وقد وجد بالرصد أن أقرب النجوم منا لا يصل نوره إلينا إلا في أربع سنوات ونحو نصف سنة ومن النجوم ما لا يصل النور منه إلينا إلا في ألف سنة أو أكثر فالنجم المسمى بالنسر الطائر يصل النور منه إلينا في أربع عشرة سنة ونصف سنة. والنجم المسمى بالنسر الواقع يصل النور منه إلينا في نحو ثلاثين سنة, والنجم المسمى بالسماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة.
قلت هذه الأقوال كلها تخرصات وظنون كاذبة. وقد رأينا نور الشمس ينتشر على ما قابله من حين يبدو طرف قرصها علينا إذا لم يكن هناك حائل من غيم أو قتر. وكذلك النسر الطائر والنسر الواقع والسماك الرامح وغيرها من الكواكب النيرة كلها يرى نورها من حين تبدو من الأفق إذا لم يكن هناك حائل يمنع من رؤيتها. وهذه الكواكب من زينة السماء الدنيا كما نص الله على ذلك في كتابه. فالتفريق بين أبعادها ووصول نورها إلى الأرض تفريق بين أشياء متماثلة وذلك باطل مردود.