المثال الخامس عشر قال الألوسي في صفحة ٩٤ وذهب المتأخرون من الفلاسفة إلى أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة فتفرق إلى ما يرى من الأجرام وكثر منهم في ذلك القيل والقال.
قلت وهذا من نمط ما قبله من الهذيان الذي يشبه هذيان المجانين, وهل يكون في إمكان الصدمة أن تضع الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم على هذا الوضع العجيب وأن تنسقها هذا التنسيق المحكم الذي لا يقدر عليه إلا الله الذي يقول للشيء كن فيكون. فهو الذي خلقها ورتبها على هذا الترتيب الباهر الذي هو الغاية في الإتقان. قال الله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء).
فالأجرام السفلية والأجرام العلوية لم تصب بصدمة أبداً كما يزعمه أعداء الله تعالى وإنما قيل لها كوني فكانت كما أراد فاطرها وموجدها من العدم لا إله إلا هو ولا رب سواه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).
وقد قال الله تعالى (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم).
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة».