إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يدعو إليها داعية أو يكون لها عاقبة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتب مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى (الذي أتقن كل شيء أي أحكم خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة). وقوله تعالى (إنه خبير بما تفعلون) تعليل لكون ما ذكر صنعاً محكماً له تعالى ببيان أن علمه تعالى بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها مما يدعو إلى إظهارها وبيان كيفيتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب جزائها عليها بعد بعثهم وحشرهم وجعل السموات والأرض والجبال على وفق ما نطق به التنزيل ليتحققوا بمشاهدة ذلك أن وعد الله حق لا ريب فيه أ. هـ.
كتب الزمخشري على قوله تعالى (صنع الله) من المصادر المؤكدة كقوله وعد الله وصبغة الله إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ. والمعنى ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين. ثم قال صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال (صنع الله الذي أتقن كل شيء) يعني أن مقابلة الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون فيكافيهم على حسب ذلك, ثم لخص ذلك بقوله (من جاء بالحسنة) إلى آخر الآيتين. فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه ومكانة إضماده - أي جمعه - ورصانة تفسيره وأخذ بعضه بحجزة بعض كأنما أفرغ إفراغاً واحداً. ولا مر ما أعجز القوى وأخرس الشقاشق - يعني الخطباء - ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله صنع الله وصبغة الله ووعد الله وفطرة الله بعد ما وسمه بإضافتها إليه بسمة التعظيم كيف تلاها بقوله (الذي أتقن كل شيء)(ومن أحسن من الله صبغة)(لا يخلف الله الميعاد)(لا تبديل لخلق الله) أ. هـ محل الحاجة منه.