ضيقٍ، وأسَغْنا ما كنّا لا نُسيغُهُ منْ ريقٍ، وأخذ بحظه منْ أنْعامه كلُّ
فريق، وعاذَ الكلُّ منْ عَفْوِه الواسِع بأمْنَعِ معاذِه، وعلموا أنَّه - أعلى الله أمْرَه - كظَمَ غيظاً، وهو
يقْدِرُ على إنْفاذِهِ.
وإنَّا لَنَرْجو أنْ تَكون هذه المأْثُرَةُ التي رُفِعَت لها الأبصارُ، وتهادتْ حديثَ جلالَتها الأَمْصارُ، من
أوْثَقِ أَعْماله عند مآله، وأرْجَحِ قُرَبِه في مُنْقَلَبِه، فهَنأه الله ما منْ سعة الحِلْم أتاه، وبارَكَ له فيما خَوَّله
ووأوْلاهُ (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) والحمد لله الذي ذخر هذه المنَّة الخطيرة لأيامه، وسلكها في نظامه، وصير له من ذكرها
في الآفاق ما تزينُ الملوك لإعْظامه، وتعْجَبُ منْ نقَائصها وتمامه. ونحن بما به أمر - أيَّد الله أمره -
آخذون، وبالموعظة الحسنى للعوام لافظون. وما زلنا - عَلِمَ الله - نحذرهم ونتَّقيهم، ونرفقُ بهم كلَّ
الرِّفق ونُداويهم، ولمَّا نلنا بفضلِ الله، ثمَّ بفضله الموهوب، واطمأنت بإحسانه القلوب، بادرنا حضرته
الجليلة معْلِمينَ، ولِما افتَرَضَ الله علينا معْلنين، وبآلائه وحسنِ بلائه مُعْتَرِفين. فجوزيَ خيرَ جزاء
العارفين المُنْعَمين، ولَقَّاهُ يومَ الفزَعِ الأكبر فوزَ الناجين الآمنين، ولا حرمه الله اغْتِفَارَ الزَّلاَّتِ، وإقالة
العثرات التي تَجْمَعُ الدنيا والدين، وأيْدينا بيد الأمير الأجل، وَالِينَا، أيَّدَه الله، في هذا الأمر وسواه
شابكة بموصوله وأوامره، أَمْضاها الله في التَّظافُرِ والائْتلافِ، مُطاعَةٌ مقْبولةٌ، ولا نَدَّخرُ عنه في حال
من الأحوال نصيحة، ولا نَألوه محافظة صريحة ومُوالاةً في ذات الله تعالى صحيحة، وإنَّه ليرى منَ
الرفقِ ما نراه، ويَرْعى من أمورِ العامَّة ما نرعاه. والله يرفعُ مَسْعاهُ، ويُيَسِّره لما يرضاه.