أعْرفُ لكَ الحقَّ الوكيد، والسبْقَ البعيد،
والسعي الحميد، والقول السَّديد. فلاشَكَّ أنَّكَ غُرَّةٌ في وجه الدهر البهيم، ومعْذِرَةٌ من إساءةِ هذا الزَّمنِ
المُليمِ؛ فما أَخْطَأَتْ عنكَ الفراسَةُ، ولااخْتَلَفَتْ فيك الرِّئاسة؛ بل أَوْفيتَ على المقدار المظْنونِ، وأَتَيْتَ
منْ وراء المُتَيَقَّنِ المضنونِ. ولئنْ أخَذْتُ في ذكرِ فضائلِكَ، أوْ عَطَّرْتُ كلامي بطيبِ شمائلكَ، فلسانُ
الأيامِ بها أَفْصح، ولها أَشْرح، وإنْ عدلْتُ إلى وصفِ ما أَعْتَقِدُه فيك وأُضْمِرُهُ، وأَطْويه من ودادِي لك
وأَنْشُرُهُ، فشاهدُ الضمير بها أَنْطَق، وعنه أصْدَق، فليس إلا الإتفاقُ والإصطلاحُ، على ما تتناجى به
النفوسُ والأَرْواحُ.
وفي المعنى:
وربَّما تَهَيَّأَتِ الصداقة، وتَمَكَّنتِ العلاقة، على تنائى الدِّيار، وبُعْدِ الأمْصارِ، بالأخْبارِ السائرة،
والأنْباء المُتَواتِرَة ببارعِ المناقِبِ، وباهِر المذاهبِ، وجميل التَّناسُبِ، وسامي المنازلِ، وجميل
الفضائلِ، فتتعارَفُ القُلوبُ ويَجْمَعُها عِقْدُ الوِدادِ، وإنْ تناءتِ الأشخاص في البلاد، وينْتَظِمُ سِلْكُ
الصفاء، وإنْ لم يكنْ سبيلٌ إلى اللقاء. وقد خَطَبْتُ وِدَّك، ورجوت أنْ أجِدَه مُوَطَّأَ الكنَفِ، مُهَيَّأَ اللُّطفِ،
سلسَ الزمامِ، سهل المرامِ، لما فضَّلَكَ الله بضروبِ من المفاخِر وصنوفٍ من المآثِرِ، تتأمَّلُها أَعْيُنُ
النُّظَّار، وتتحَمّلها أَْلْسُنُ الأخْبارِ، ويَخُطُّها سوادُ الليل على بياضِ النَّهارِ، ويُحَدِّدُ بها حادي الرفاق إلى
أقاصي البلاد والآفاق، ويسري بها سَراة الرُّكْبانِ، إلى أقاصي البُلْدانِ، حتّى لقد أَسْمَعوها كل أُذْنٍ
صمّا، وأَرْوها كل عيْنٍ عمْيا. فألْويةُ الحمد عليك خافِقَةٌ، وأَلْسِنة المجْدِ بفضلك ناطقة. والله تعالى
يُبْقيكَ للمكارم نظاما، وللأفَاضل إِماما، بِمَنِّهِ.
وفي المعنى:
إنْ كانت المُداخَلةُ بَيْننا لم يُفْرجْ لها بابٌ، ولا عَلِقَتْ بها أسْباب، ولا رُمِيَ