أَمَا وأحاديثُ فَضْلِكَ صحيحَةُ الإسْنادِ، وأَدِلَّةُ سرْوِكَ قوية العماد، ومطالعُ عِلْمِكَ وفهمِكَ ساطعة
الأنوار، ومناهِجُ هدْيِكَ وسَعْيِكَ واضحةُ الصُّوى والمنارِ، فلا عَجَبَ أنْ تَحُومَ على سُرْعَةِ مداخلتكَ
حوائمُ الأَلْباب، وتَنْتَهِزَ في الْتِماسِ مواصلَتِكَ فُرَصُ الدَّواعي والأسباب، ولم أَزَلْ مولعاً برائقِ صفتك،
ومُلْتَمِساً سبب معْرِفَتِكَ، حِرْصاً على التَّجَمُّل بِحِلْيَتِكَ، ورَغْبَةً في التَّيَمُّن بصلتك، لأنكَ، والله يُبْقيكَ،
أحقُّ منِ احْتُذِيَ على مِثاله، واقتُديَ بصالح أعْماله، واستقرتْ آثارُ البِرِّ في مواقِعِ خطاه، وانتسخَتْ
أخْبارُ الزُّهد والقصد منْ صحائف هُداه، وأَجْدَرُ بمن اتَّخَذَ صاحباً، وسلَكَ منْ سُبُلِكَ أثراً لاَحِباً، أنْ
يأمنَ في جدك مسالِك العثار، ويعْدَمَ في جوارِكَ نقْعَ الفِتَنِ المُثارِ، والله تعالى يُبْقيكَ لأشْتاتِ الفضائل
نظاماً وفي كل صالحة إماماً، ويوسِع النعمة بك وفيك سبوغاً وتماماً.
ولمَّا اتَّفَقَ شخُوصُ فلان إلى الحضرة، وعلِمْتُ أنَّ انْجذابه إلى جَنَباتِكَ، ووَعَيْتُ عنه جُمَلاً حساناً من
صفاتِكَ، رأيْتُ أنْ أصحبه خطاباً، وأَمُدَّ في ساحة الانْتِظامِ طُنُباً وأسباباً، حِرْصاً على أنْ يتَوَكَّدَ في
ذاتِ الله إخاؤنا، وتتفق في سبيل مرْضاتِه وطرُقِ طاعاته أَنْحاؤنا، وحملته مع ذلك من لطائف الحمْد،
ومخائل الود، ما إذا أعرته ناظرَ تأملك، وصادِقَ تحمُّلكَ، عَلِمْتَ به خُلُوص ضميري، وصفاءَ نميري،
وسلامة عُهودي، ودمانةَ تهائمي ونُجُودي.
وفي المعنى:
كتبتُه عن ضمير انْدَمَجَ على سِرِّ اعْتِقادكَ صدرُهُ، وتَبَلَّجَ في أُفْقِ ودادِكَ بدْرُهُ، ومالَ على صفحاتِ
ثنائكَ مِسْكُه، وصار في راحتكَ مِلْكُه. ولما ظفرْتُ بفلان، حملتُه منْ تحِيَّتِكَ زهراً جنِيَّا، يوافيكَ عرفُه
ذكيَّا، ويقضي منْ حقكَ فرْضاً مقْضيّاً، على أنَّ شخصَ جلالِكَ لي ماثِلٌ، وبينَ ضلوعي نازلٌ، لايَمَلُّه
خاطر، ولا يحلُّ عقده ناثر.