للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَراعَةُ بديع الزمان، أن يدهشَ جَنَانه، ويخرس لِسَانُه،

وترعشَ بنانه، غير أنَّ الإدلال، يقتضي الاسترسال، فكل يحل عقده، ويُنْفقُ مما عنده، وإنْ كنت في

ذلك كمن سابَقَ الجواد بمطية، وفاخر غانماً بعطية. ولما وردَ كتابُهُ الخطير الذي هو ريحانَةُ النفس،

وسرُّ السرور والأنس، مددتُ يد البدارِ إليه، ووقفْتُ وقُوفَ الحريصِ عليه، فاطَّرَدَت لي البلاغة منْ

أَثْنائهِ، وتَضَوَّعَ المسْكُ منْ أرْجائه، وأدارتِ الفصاحة عليه جِرْيالَها، وسحبَت مُخْتالةً أذْيالها، وقد

انتظم فيه وشيُ صنعاء بزهر الرياض، وسحرُ بابل بغنجِ الأعين المراض. وقد أخذ النثر صَدْرَ

ميدانه، وتلاه القَرِيضُ ثانياً من عنانه، ولما هزت السطور قدودها، وأقامت الأبيات بنودها، واستولى

القصيد أمده، واستوفى عدده، أعدَّت القوافي سلاحها، وسدَّدَتْ رماحَها، فَحمِيت جنابها، ومنعتْ

ركابها، فتحامت الرَّوِيَّ اضْطرارا، وركبت العروضَ اخْتيارا، فَنَمتْ ببعضِ المُشاكَلة، وإنْ كان بُعْداً

عنِ المُمَاثَلة:

إلى ذي شيمةٍ شَغَفَتْ فُؤادي ... فلولاه لقُلْتُ بها النَّسيبا

وكيف لا أحن إلى سليل أكارمٍ، وأحرص على شقيق مكارمٍ، وأتشوَّقُ إلى رضيع مجد، تشوقَ حُرَّان

إلى بدر نجد، وله مشاهدُ أحلى لديَّ من الشِّهاد، وأشهى إليَّ من الغُمْضِ عقِبَ السُّهاد. كلٌّ يشهدُ بسبْقِ

أوَّليَّتِه، وعِتْقِ سجِيَّته،

<<  <  ج: ص:  >  >>