بساطها سوْسَنه وورْده، وأغصان ثمارها مورقة، ونواحيها
مشرقة، قد سالت جداولها، وغنَّت بلابلها، فراح أبو الوليد بين روض يانع، وريح طيبة المسرى،
وارتاح ارتياح جميل ببوادي القرى، فتشوق إلى لقاء ولادة، وحنَّ وخاف تلك النَّوائب والمحن، فكتب
إليها يصف فرط قلقه، وضيق أمده وطلقه، ويعاتبها على اغفال تعهده، ويذكرها بحسن محضره معها
ومشهده، فقال:
إني ذكرتك بالزهراء مُشتاقا ... والأفقُ طلْق ووجهالأرض قد راقا
وللنسيم اعتلالٌ في أصائله ... كأنه رقّ لي فاعْتل إشْفاقا
والرَّوضُ عنْ مائه الفضي مُبْتَسِمٌ ... كما شَقَقْتُ عن اللبات أطواقا
يومٌ كأيامِ لذاتٍ لنا انصرمتْ ... بتْنا لها حين نامَ الدّهر سُرّاقا
نلهو بما يستميل العينَ من زهر ... جال النَّدى فيه حتى مال اعناقا
كأن أعينه إذ عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدّمع رَقْراقا
ورْد تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين اشراقا
سَرى يُنافِحُه نَيْلُوفرٌ عَبِقٌ ... وَسْنان نبَّه معه الصُّبح أحداقا
كلٌّ يهيجُ لنا ذكرى تشوقنا ... إليك لم يعدعنها الصدر أن ضاقا
لو كان وفىَّ المنى في جَمعنا بكم ... لكان منْ أكرم الأيام أخلاقا
لا سكَّن الله قلباً عن ذِكركمُ ... فلم يطِر بِجَناحِ الشوق خَفَّاقا
لو شاء حملي نسيمُ الريح حين هفا ... وافاكُمُ بفتى أضْناه ما لاقى