للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أوطاراً؛ ورَمَقُوا بالاعتبار أقْطَارا فحلّوا منه في درَانيك

رَبِيع مُفَوَّفَة بالأزهار؛ مُطَرَّزَةٍ بالجداول والأنهار. والغصون تختال في أَدْواحها؛ وتَنْثَني في أكُفِّ

أرواحها. وآثار الديار قد أشرفت عليهم، كثكالى ينحن على خرابها؛ وانقراض أطرابها. والوَهْي

بمشيدها لاعب؛ وعلى كل جدار غُرَابٌ نَاعِبٌ. وقد مَحَت الحوادث ضِيَاءَهَا؛ وَقَلَّصَت ظِلاَلَهَا

وَأَفيَاءَهَا. وَطَالَ ما أشرقت بالخَلائف وابتهجت، وفاحت من شَذَاهم وتَأَرَّجت أيام نزلوا خلالها؛

وتَفَيَّؤُوا ظلالها، وعَمَروا حدائقها وجناتها؛ ونبهوا الآمال من سِنَاتِها، وراعوا اللُّيوث في آجامها؛

وأخجلوا الغُيُوثَ عند انسجامها. فأضحت ولها بالتَّدَاعي تلفع واعتجار، ولم يبق من آثارها إلا نُؤَي

وأحجار، وقد وهت قبابها، وهرم شبابهاوقد يَلينُ الحديد؛ وَيَبْلَى على طَيِّهِ الجديد. فبيناهم يتعاطونها

صغارا وكبارا؛ ويُديرُونَهَا تأنسا واعتبارا، إذا برسول المعتمد قد وَافَاهم برقعة فيها مكتوب:

حسد القصر فيكم الزهراء ... وََلَعَمْرِي وَعَمْرُكُم ما أَساءَ

قَد طَلَعْتُمْ بِهَا شُمُوساً صَبَاحا ... فَاطْلَعُوا عندنَا بُدُوراً مسَاءَ

فعند ذلك، صاروا إلى قصر البستانَ بباب (العطارين)؛ فَأَلْفَوْا مجلساً يَحَارُ فيه الوَصْف؛ قد احتشد

فيه اللهو والقصف، وتوقدت نجوم مُدَامه؛ وتأوَّدَت قدود خدامه. وَأَرْبَى على الخَوَرْنَقِ والسَّدير؛

وأبدى صفحة البدر من أزرار المدير. فأَقاَموا لَيْلَتَهُمْ لم يطرقهم نوم؛ ولاَ عَدَلَهُمْ عن طيب اللذات سَوْم

<<  <  ج: ص:  >  >>