للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا بفتى وسيم، كما شب عقيق خديه؛ وتم شَاربه بالتذكير عليه، وكأنما طبعت الصوارم من عينيه،

واستعير اللين من عطفيه فسلم عليّ سلاما؛ ارتاحت له نفسي؛ وَتَنَسَّمتُ منه أُنْسي، فردَدْتُ عليه

السلام، رَدَّ مَنْ تَوَسَّمَ فيه سِمَةَ الفَهْمِ، مُتَحَقِّقاً بالاختبار لا بالوهم. فقال لي: بحرمة الأدب ألا ما أعدت

عليّ إنْشادك فأنشدته القطعة بجملتها. فقال لي: وَرِيَتْ بِكَ زِنَادي؛ وَسَقَتْكَ الرَّوَائح والغَوَادي. أخبرني

عن السبب الموجب لإنْشَادِك البيتين، وترْدِيدهما.

فقلت له: بُليتُ بخلّ مولعٍ بالخلاف؛ قَليلِ الإِنْصَاف. إن لا يَنْتُه غَضب؛ وإن استعتبته عَتب. وقد

يعلم الله اشفاقي لفرقته؛ وتشوقي لرؤيته. فقال لي: جنبك الله عتبه؛ وقلب لك قلبه. ثم ولَّى عني، وقد

غرس الله في قلبي ثمرة وِدِّه؛ وأَشْفَقْتُ من بعده. فبت ليلتي تلك مستأنسا بخياله؛ مسرورا بوصاله،

حتى بدت غرة الصبح لامعة، كأنها عجاجٌ سُلَّ من تحته مُنْصُل؛ وخليجه ينساب كأنه جدول فقمت

بانيا على قصده؛ فلم ألبث أن سمعته يَنْشُد، ويَطْلُب مَنْزِلي، فوصل، وقرع الباب، فأذنت له فدخل،

فقمتُ إليه، ورَحَّبْتُ به، فقال لي: يا ابن الكرام هذا يَوْمٌ قد تَكَاثف غَيْمُه؛ وتَجَهّم أُفْقُه، وخَفَق قلبُ

رعده، ولمع بَرْقُه. ونحن لا نجد السبيل إلى الخمر، فبم نقطعه. فقلت: الرأي إلى سيدي، أبقاه الله.

فقال لي: كيف ذكرُك لرجال مصْرك؛ ووُقوفك على نبهاء عصرك. قلت: خَيرذكر. فقال أخبرني من

أعذبهم لفظا، وارجحهم وزناً قلت: الرقيقُ حاشية الظَّرف، الأنيق ديباجة اللطف، أبو حفص بن برد.

قال: فمن أقواهم استعارات، وأصحهم تشبيهات، قلت: البحر العجاج، السراج الوهاج أبو عامر بن

شهيد. قال: فمن أَذكرهم للأشعار، وأقصهمْ للأخبار. قلت: الحلو الظريف، البارع اللطيف، أبو الوليد

بن زيدون. قال: فمن أكلَفُهم بالبديع، وأشْغَفُهُم بالتقسيم والتتْبِيع. قلت: الرَّاتع في روض الحَسَب،

المستظل بِمَرْخ

<<  <  ج: ص:  >  >>