فقلت: يا هَذِه، أكُلُّ هذا منَ الحُبِّ، قالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَآُمِّي، كيف ولَوْرَأَيْتَنِي وَعُنْفُوَان هوايَ، لرأيت
خَبلاً يُذَوِّب الحديد لحرارته. ولقد عَذَلني من يغمه بعض ما بي فقلت:
لَحَى اللَّهُ مَنْ يَلْحَى عَلَى الحُبِّ عَاشقا ... ولا كَانَ في قُربِ وَلاَ زَالَ في بُعْدِ
وَمَاذَا عَلَيْهم أَنْ تراءى وِصَالُنَا ... وَإِنْ نَمَّ مَا كُنَا نُسِرُّ من الوَجْدِ
ثم تنفست، فخشيت على بدني من حرارة نفسها. فقلت: ما هذا التنفس؟ فقالت: على حلاوة ذلك
الدهر، ورطوبة أغصانه، وإني وإياه، لكما قالت هالة بنت قيس التميمية:
أَرَانِي قد حَييتُ وَكُنْتُ مَيْتاً ... إذا طَرَقَ الخيالُ بِمَنْ هَوِيتُ
رَضِيتُ ذَهَابَ نفسي في رضاه ... رضيتُ بِذاكَ يَارَبي رَضِيتُ
قال: فلمح عليها شيئا خوفاً من وفاتها.
ونقلت منه أيضا: قال أبو المنجاب رأيت في الطواف، فتى نَحِيفَ الجسم، بَيَّن الضَّعْف، يَلُوذُ،
ويَتَعَوَّذُ، ويقول:
وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ الحبَّ يُجْمَعُ كُلُّه ... وَيُقْذفُ في قلبي وينغلق الصدرُ
فَلاَ يَنْقَضِي مافي فؤادي مِنْ الهوى ... ومن فرحي بالحبِّ أو ينقضي العمرُ
فقلت له: يا فتى! أَمَا لهذه البنية حُرْمة تَمْنَعُكَ من هذا الكلام؟ قال: بَلَى. واللَّهِ، ولكنَّ الحبَّ مَلأ قَلْبي
بِبَراحِ التَّذكير، فَفَاضَت الفِكرة. وإني
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute