للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

لأبنائهن ومسبحات للجميع وأطقم للقهوة والشاي للببت. فبعد نزولهما من الباخرة، ووالدتي العرجاء تجر عكازيها ووالدي يحمل حقيبتين ثقيلتين، هرع إليهما أحد سكان عنابة من أثرياء المدينة المحترمين ودعاهما للنزول ضيفين عنده، فرحا باستقبال حاجين تقيين في منزله. ودون أن يفكرا بتاتا في الإجراءات الجمركية، توجه والدي ببراءة وبغير قصد نحو عربة مضيفهما العنابي. ولم ينتبه رجال الجمارك إلا بعد أن اتخذت أمي مكانا في العربة واضعة عكازيها أمامها فقدروا أنه من الأفضل أن لا يحرجا إمرأة بعرجتها.

- وهكذا، قالت لي أمي وهي ضاحكة، لم أدفع شيئا، فلو قدر ودفعت حسب الثمن الذي دفعه بقية الحجاج، فربما لم يكن بحوزتي ما يكفي لتسديد المستحق ولكان لزاما أن أدع لهم نصف الهدايا.

وقد أضحكتني هذه الواقعة البريئة فيما أضافت والدتي:

- يا ولدي، إن الله يحفظ الأمناء دون علمهم.

وهكذا وعلى امتداد أسبوع، لم يكن الحديث في المنزل إلا على الحج. ولوالدتي فن نادر في الرواية. وكان لها حس ثاقب في الملاحظة وعمق في الشعور ووضوح في الفكر، فكانت حكاياتها تسحرني. أو تثير شفقتي وزيادة عن ذلك، كنت أتعلم منها.

فكنت أحج معها في فكري. وانتابني شعور لا يمكن وصفه عندما حدثتني عن الجو الذي تندفع فيه آلاف الأرواح نحو الله في تجرد تام عبر النداء الخالد المعهود: (لبيك اللهم لبيك).