عدت إلى مدينة تبسة لأقضي أول عطلة لي، حيث لم أر والداي منذ سنتين. إذ فضلت أن أمضي عطلة سنة ١٩٣١ في باريس لاجتهد في مادة الرياضيات، لأني كنت أحس نفسي أكثر ميلا للدراسات التقنية، ولم تكن لي معارف علمية اللهم إلا بعض المفاهيم الأولية لشهادة التعليم الابتدائي. ولن احتسب سنوات المدرسة التي منحتني ثقافة عربية إضافة إلى تكوين فلسفي غامض اكتسبته ذاتيا على حساب البرنامج الأولي الممهد الذي يوفره (التعليم العالي) المخصص للمسلمين في المدارس الجزائرية الثلاث (Medersa) .
وصلت تبسة حاملا برنامجا ثريا للمذاكرة أثناء العطلة كان قد أعده لي مدير المدرسة العليا للميكانيكا والكهناء. وهي المدرسة التي تم فيها قبولي في السنة الأولى. لما وصلت وجدت حالة عائلتي قد تغيرت جذريا. فوالدي الذي كان يشغل منصب خوجة منذ اثنتين وعشرين سنة في البلدية المختلطة لتبسة قد نقل فجأة إلى بلدية أريس. وقد علمت أن المدير المتصرف باتيستيني هو الذي وقف وراء هذا الإجراء العقابي. وباتيستيني هذا كان يقول بأنه يريد دفن القرآن، ولم تكن مصادفة أنه تكون في مدرسة ماسينيون إذ كان يحضر دروسه بالفعل بباريس سنة ١٩٣١. غير أن والدي لم يستطع حتى الحفاظ على منصبه الجديد بأريس نظرا للحالة الصحية الهشة