للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

أما أنا فقد منحت تأييدي لماسينيون. فلم أدرك أن الأمر يتعلق بمجرد مخبر جاء ليسجل ردود الفعل في وسط المثقفين المسلمين. لقد كنت قليل التجربة. وقد نال ماسينيون في هذه الأمسية مودتي حتى بعد أن تجنب إجابتي عن سؤال طرحته عليه أثناء الحديث الذي دار بينه وبين بلافريج ومحمد الفاسي الذي كان يداعب حاملة تبغه، إن لم تخنني الذاكرة. فقد قلت له:

- السيد الأستاذ، ألا تعتقدون أن تدهور العالم الإسلامي مرده، فضلا عن أسباب أخرى، إلى أن التفسير القرآني محشو بالخرافات الإغريقية وبالإسرائيليات؟

أتذكر أن وميضا برق في عينيه ولكنه تظاهر بأنه لم يسمع سؤالي، الذي لم أسع من جهتي لإعادته. ويجب أن اعترف أني لم أفهم تصرف شخص انتزع رغم كل شيء تعاطفي نظير موقفه من الحرف العربي. وإني أدرك اليوم جميع الأسباب الذي حدت به ليسجل بكل عناية سؤالي واسمي مباشرة وهو يغادر المكان بعد انتهاء المحاضرة. وأعرف الآن أفضل كيف أحلل الناس ومواقفهم، وأدرك جيدا أن ماسينيون كان يعرفني ليضع اسمي على وجهي. فأنا على يقين أن بومنجل بابتسامته والفاسي وهو يستنشق تبغه قد بلغا عني ولم يدعاني نكرة لديه: فالأول كان يريد الحفاظ على موقعه في سان بارب أما الثاني فكان يسعى لوضع خطاه في جامعة القرويين.

باختصار، لقد تركت ذكراي قوية في الحي اللاتيني وفي ذاكرة ماسينيون لما غادرت باريس في جويلية ١٩٣٢.