للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

صاحب المقهى كاد أن يجن لأن الشرطة لا تفتأ تلومه وتوبخه على حال محله. ولم يكن ثمة شيء يجلب المؤاخذة لصاحبنا في إدارة محله وكان يعتقد ذلك كمسلم يحترم دينه، إذ لم يكن يسمح فيه بشرب الخمر أو لعب القمار. غير أن ماسينيون عرفا كيف يشرح للحاضرين أن مغالاة صاحب المحل في حسن إدارة محله هي التي سببت له المشاكل وأنه تفاداها بمجرد أن سمح بالقمار وتناول الخمر. وإني لأعترف أن هذا العرض قد انتزع مني شعورا بالتعاطف مع هذا الشخص الذي ترفعت عن تلبية دعوته من أسابيع خلت. وقد أدركت الآن أن لعبته كانت من البراعة بحيث تتجاوزني أنا الصغير والطيب المنتمي للأهالي سكان المستعمرات.

أما الفرصة الأخرى التي رأيت وسمعت فيها ماسينيون، فقد كانت يوم دعته جمعيتنا الطلابية لإلقاء محاضرة. وكان ذلك في قاعة من قاعات لاميتييل (التعاضدية) (١). وقد حضرتها بالطبع بمعية زوجتي والأخوين بن ساعي، فصالح كان قد وصل إلى باريس. لم أتذكر بالتدقيق موضوع المحاضرة غير أنها تناولت مسألة استعمال الحرف اللاتيني في تركيا. وأذكر أن نقاشا قد أثير حول الحرف العربي. فبن يوسف كان يرى أن خلاص البلدان العربية يمر عبر اعتماد الإجراءات التي اتخذها أتاتورك في بلاده. أما ماسينيون فكان مع الحرف العربي ودافع عنه بشدة. وقد انقسم الحاضرون. فساند بعضهم بن يوسف.


(١) القاعة التي كان مصالي وغيره يلقون فيها خطبهم الوطنية النارية بمساعدة الأحزاب اليسارية الفرنسية. (المترجم).