كنت على عجلة من أمري للعطلة ورؤية الوالدين بعد أن أخبراني بعودتهما من مكة. والحق أن هذه العودة أصابتني ببعض الخيبة. غير أن التأملات وتصورات الحجيج الذين تشرف والداي أن يكونا ضمنهم، كانت تصرح بمخيلتي في القطار والباخرة اللذين حملاني إلى الجزائر. لقد كنت مستعجلا لأطرح عليهما أسئلة حول المملكة السعودية التي ابتهجت لإنشائها في ١٩٢٦ عقب نهاية دراستي بمدرسة قسنطينة. ولم أتوقف من يومها عن متابعة أخبار تطور الوهابية، التي شبهتها في البداية بسلفيتي قبل أن أفضلها تدريجيا.
وصلت إلى تبسة في مثل هذه الحالة النفسية. وأذكر الوقار الخاص الذي قبلت به يد والدتي. وبدا لي البيت الذي كنا نسكنه -ولا زلنا - وكأنه يشع نورا وأنه أكثر إضاءة، وكانت أجواء مكة والمدينة حاضرة تحت سماء تبسة التي ظهرت لي أكثر إشراقا.
أحضرت لي أمي الكثير من الهدايا والذكريات من الأماكن المقدسة وأخص بالذكر مسبحة من المرجان الأحمر. ثم بدأت، وهي المرأة النبيهة، فحدثتني عن العناية الإلهية التي مكنتها من تجاوز حاجز الجمارك في مدينة عنابة دون أن تدفع شيئا عما حملت من نفائس: حزام فضة من الضفائر لزوجتي، هدايا لشقيقاتي وطاقيات حجازية