لقد خاطبت الشيخ العقبي لأني كنت أراه أكثر حماسة. ولكن، يجب أن أقول الآن وعلى ضوء تجربة طويلة، أن علماءنا كانوا دوما على قدر من الجهل يحجبهم عن إدراك الأفكار وعلى قدر من الجبن لتطبيقها إذا كانت ثمة بعض الأخطار. إنهم يحبون الجنة طبعا، ولكن على شرط وصولها بتأن وببطن شبعان وبفكر خاو وأن ينتظرهم ملك - أقصد مازحا شكل ملك - يقول لهم:(ادخلوا، أيها السادة، أنا أعلم أنكم تعبتم كثيرا في الحياة الدنيا غير أن فرش ناعمة تنتظركم.) ولكن ماسينيون يفهم الأفكار، وقد يكون لاحظ فكرتي، كما سيلاحظ بعد ستة عشر سنة، بعد صدور (شروط النهضة) ويعلق عليه بقوله: (هذا خطر حقيقي على الاستعمار).
وبدأت شخصيا أتحسس وأعي هذا (الخطر) من أفكاري تماما كما بدأت أحس (بالخطر) الخاص لماسينيون على مستقبلي الذي لا يزال بعيدا، وعلى وضع عائلتي، فضلا عن والدي، الذي قرر بعد محاولات فاشلة لإدماجه في العمل، أن يؤدي فريضة الحج مصحوبا بوالدتي. وقد كتب لي ليعلمني بالأمر رسالة مؤثرة أبكت زوجتي، بينما كنت على العكس، فرحا متمنيا أن يبقى والداي اللذان نفرا من الاستعمار بأرض الحجاز حيث خططت للإقامة بعد نهاية دراساتي لأن شعورا غامضا اعتراني بأني لن أقوم بشيء في الجزائر. وانتهت سنتي الدراسية على وقع هذا الآمل.