ثالثاً: نسبة القول بأن الذبيح هو (إسحاق) أنه قول الجمهور غير صحيحة، بل العكس صحيح في ذلك، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك. أقوال أهل العلم في تعيين من هو الذبيح: قال الإمام ابن الجوزي، مرجع سابق ٣/ ٥٤٧: واختلفوا في الذبيح على قولين: أحدهما: أنه (إسحاق) قاله عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب في رواية، والعباس بن عبد المطلب، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري في رواية، وأبو هريرة في رواية، وأنس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، ومسروق، وعبيد بن عمير، والقاسم بن أبي بزة، ومقاتل بن سليمان، واختاره ابن جرير والقرطبي. ويقولون: كانت هذه القصة بالشام، طويت له الأرض حتى حمله إلى المنحر بمنى في ساعة. والثاني: أنه (إسماعيل) قاله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد، ويوسف بن مهران، وأبو صالح، ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن سابط. واختلفت الرواية عن ابن عباس، فروى عنه عكرمة أنه (إسحاق)، وروى عنه عطاء، ومجاهد، والشعبي، وأبو الجوزاء، ويوسف بن مهران، أنه (إسماعيل)، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين.
وعن سعيد بن جبير، وعكرمة، والزهري، وقتادة، والسدي، روايتان، وكذلك عن أحمد روايتان. وقال ابن أبي حاتم في (تفسيره،١٠/ ٣٢٢٣): (وسمعت أبي يقول: الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه السلام. قال: وروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي الطفيل، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي جعفر محمد بن علي، وأبي صالح، أنهم قالوا: الذبيح إسماعيل). قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد، ١/ ٧١): (وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهاً، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده، والذي غر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم اذبح ابنك إسحاق. قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم، لأنها تناقض قوله: اذبح بكرك ووحيدك، ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم ويحتازوه لأنفسهم دون العرب، ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله. وقال السبكي الابن في (الإبهاج ٢/ ٢٣٧): (الصحيح عن جمهور العلماء أن الذبيح هو (إسماعيل) عليه السلام، واحتجوا له بأمور كلها ظاهرة غير قطعية، واستنبط والدي- رضي الله عنه- من القرآن دليلا على ذلك يقارب القطع أو يقتضي القطع بذلك =