للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد (١) والضحاك (٢) وعبد الله بن مسعود (٣)، ومعنى الآية: حتى إذا استيئس الرسل من أن يصدقهم قومهم وظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم, {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} , فالظن على بابه, ويجوز أن يكون الظن يراد به اليقين, لأن من آمن من قومهم لم يصْدُقوا في إيمانهم لما لحقهم منهم من البلاء والامتحان, ومن خفف كذبوا قال هذا المعنى مؤول أي: ظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به أو تيقنوا حتى جاءهم النصر (٤).

وقوله تعالى: {فَنُجِّيَ} أي:


(١) ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢٢١٢.
(٢) أبو حيان، مرجع سابق، ٥/ ٣٥٥.
(٣) سعيد بن منصور، مرجع سابق، ٥/ ٤١٣. عبدالرزاق، مرجع سابق، ١/ ٣٢٩.
(٤) ابن وهب، أبو محمد عبد الله بن مسلم المري القرشي (ت: ١٩٧ هـ)، تفسير القرآن من الجامع ت: ميكلوش موراني، ط ١، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ٢٠٠٣ م)، ١/ ٢٧.الزجاج، مرجع سابق، ٣/ ١٣٢. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢٢١١.
قال السَّمين: قوله تعالى: {كُذِّبُوا} قرأ الكوفيون» {كُذِبوا} «بالتخفيف والباقون بالتثقيل. فأمَّا قراءةُ التخفيف فاضطربت أقوالُ الناسِ فيها، ورُوي إنكارها عن عائشة رضي الله عنها قالت:» معاذَ اللَّه لم يكنِ الرسلُ لِتَظُنُّ ذلك بربها "وهذا ينبغي أن لا يَصِحَّ عنها لتواتُرِ هذه القراءة"وقد وَجَّهها الناسُ بأربعة أوجه، أجودُها: أن الضميرَ في» وظنُّوا «عائدٌ على المرْسَل إليهم لتقدُّمهم في قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} سورة يوسف، الآية: ١٠٩، ولأن الرسلَ تَسْتدعي مُرْسَلاً إليه. والضمير في» أنهم «و» كُذِبوا «عائد على الرسل، أي: وظنَّ المرْسَل إليهم أنَّ الرسَلَ قد كُذِبوا، أي: كذَّبهم مَنْ أُرْسِلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم.

الثاني: أنَّ الضمائرَ الثلاثةَ عائدة على الرسل. قال الزمخشري في تقرير هذا الوجه» {حتى إذا اسْتَيْئَسوا} من النصر {وظنُّوا أنهم قد كُذِبوا}، أي: كَذَّبَهم أنفسُهم حين حَدَّثَتْهم أنهم يُنْصَرون أو رجاؤُهم لقولهم رجاءٌ صادق ورجاءٌ كاذب، والمعنى: أن مدَّة التكذيب والعداوةِ من الكفار، وانتظارَ النصر من اللَّه وتأميلَه قد تطاولت عليهم وتمادَتْ، حتى استشعروا القُنوط، وتَوَهَّموا ألاَّ نَصْرَ لهم في الدنيا فجاءهم نَصْرُنا «انتهى/فقد جعل الفاعلَ المقدر: إمَّا أنفسُهم، وإمَّا رجاؤُهم، وجعل الظنَّ بمعنى التوهم فأخرجه عن معناه الأصلي وهو تَرَجُّحُ أحدِ الطرفين، وعن مجازه وهو استعمالُه في المتَيَقَّن.
الثالث: أنَّ الضمائرَ كلَّها أيضاً عائدة على الرسل، والظنُّ على بابه من الترجيح، وإلى هذا نحا ابن عباس وابن مسعود وابن جبير، قالوا: والرسل بَشَرٌ فَضَعُفوا وساءَ ظَنُّهم، وهذا ينبغي ألاَّ يَصِحَّ عن هؤلاء فإنها عبارة غليظة على الأنبياء عليهم السلام، وحاشى الأنبياء من ذلك، ولذلك رَدَّتْ عائشة وجماعةُ كثيرة هذا التأويلَ، وأعظموا أن تُنْسَبَ الأنبياء إلى شيء مِن ذلك. =

<<  <   >  >>