للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا (١) , {وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} وذلك أن الله بَعَث الرسل, فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع الله نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى (٢). وقولُهُ: {وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا} أي: عقوبتنا وبطشنا, ثم بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا, فكفروا بالله، وخالفوا رسله.

وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجى والعقل يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها, وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ثم بِيع بَيْع العبيد وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوى إخوته, وجمع بينه وبين والديه وإخوته, وجاء بهم إليه من الشُّقّة البعيدة, يقال للمشركين من قريش: لقد كان لكم أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به, أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه أن يفعل مثله بمحمد صلى الله عليه (٣)، فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وكان مجاهد (٤) يقول: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته, ورَدُّ العبرة إلى قريش أوْلى: لأنه عَقِيب الإخبار عن نبينا-صلى الله عليه (٥). وقوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي: ما كان هذا القرآن حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص, ولكنه تصديق الذي بين يديه من


(١) قصة يوسف عليه السلام تتضمن فنوناً شتى من أساليب التربية والسلوكيات، وتهدف بوضوح إلى إبراز الخصائص النفسية للصفوة المختارة من الناس، وتشرح لنا في أسلوب سهل جني، ثمرة اللجوء إلى الله-عز وجل-في الضيق والمحن، وكيف لا يتخلى الله عمن يلتجأ إليه فيصرف عنه السوء، وينقذه مما يتورط فيه، ويضيء له الطريق مع شدة الظلام من حوله، ويمكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. وفيها جواز استعمال الحيلة في التوصل إلى الأمر المباح. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٩٤٤.
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٣١٢. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢٢١٢ - ٢٢١٣.
(٣) كذا في (د). وفى الأصل: بدون "وسلم " والمشهور "وسلم" لورود النص والله أعلم.
(٤) ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢٢١٣.
(٥) كذا فى الأصل وفي (د) بدون "وسلم " والمشهور "وسلم" لورود النص به.

<<  <   >  >>