والحق الذي لا مراء فيه أن هذه الدعوى التي جزموا بصدقها دعوى كاذبة، ليس لها أدنى نصيب من الصحة فقد تقدم لنا أن الأسود العنسى كاهن اليمن كان قد أدعى أنه نبي ودعا الناس إلى إتباعه فارتد بعض أهل اليمن عن الإسلام فلما علم النبي بهذا الحدث الخطير بعث إلى المسلمين من أهل اليمن رسولاًَ، ودعاهم إلى القضاء على هذه الفتنة، وأن يقاتلوا الأسود ومن ارتد معه. فأدى المسلمون الواجب، وتمكنوا من قتل الأسود فخمدت الفتنة، وعلم النبي بقتب الأسود في إحدى روايتين، وبشر المسلمين بقتله. وفي عام الفتح أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتل ابن خَطَل وكان مسلماً ثم ارتد ورجع إلى مكة. ولما علم بقدوم موكب الفتح بقيادة صاحب الدعوة هُرِع إلى المسجد الحرام وتعلق بأستار الكعبة، ورغم هذه الحيلة أمر النبي بقتله حداً للارتداد عن الدين.
وهذه الواقعة صحيحة السند والمتن، وقد اعتمدها ائمة المذاهب الفقهية، واستنبطوا منها أحكاماً في الفقه الجنائي:
فالإمامان الشافعي ومالك بنيا عليها حكماً فقهياً خلاصته أنه يجوز إقامة الحدود واستيفاؤها في الحرم. والإمام أبو حنيفة مع تسليمه بصحة الواقعة يخالف الشافعي ومالكاً بأن استيفاء الحدود لا يجوز في الحرم.