للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذا من أكمل العدول، ولا تظهر ثمرة التقوى إلا إذا هوي الإنسان غير الحق، فأما إذا كان هوى الإنسان تابعا للحق واجتمعا في جانب واحد، فلا تظهر ثمرة التقوى وإن أراد المصنف أن تلك الملكة تمنعه عن اقتراف الكبائر والصغائر الخسة ولو هويتها النفس، فهذا داخل في كلامهم، ومتى لم تمنعه من ذلك فليست ملكة، فمن لم يمتنع من الكبائر إلا إذا لم يهواها ليس عدلا ولا فيه تلك الملكة (١٠٤/أ/د) ولا يحتاج إلى هذا لدخوله في إطلاقهم، وقوله: (والرذائل المباحة كالبول في الطريق) أي: وما في معناه من الأكل في الطريق وعشرة من لا يليق به عشرته، فإنه دال على عدم/ (١٢٥/ب/م) اكتراثه باستهزاء الناس، وهذا هو المراد بالمحافظة على المروءة بأن يسير سيرة أمثاله زمانا ومكانا.

قال الغزالي: إلا أن يكون ممن يقصد كسر النفس، وإلزامها التواضع كما يفعله كثير من العباد.

فإن قلت: التعبير بالكبائر والرذائل يخرج اقتراف كبيرة واحدة أو رذيلة واحدة مع أنه مخل بالعدالة.

قلت: المراد الجنس فيصدق بالواحد، وبتقدير إرادة الجمع فإذا قويت تلك الملكة على دفع الجمع فهي على دفع الواحد أقوى.

فإن قلت: اجتناب الرذائل المباحة ليس جزءا من حقيقة العدالة وإن اشترط في قبول الشهادة فإن اسم العدالة صادق بدونه.

قلت: قسم الماوردي المروءة المشترطة في قبول الشهادة ثلاثة أقسام، وجعل منها قسما شرطا في العدالة، وهو مجانبة ما يستحق من الكلام المؤدي إلى الضحك وترك ما قبح من الفعل.

قال: فمجانبة ذلك من المروءة المشترطة في العدالة، وارتكابها مفسق انتهى.

<<  <   >  >>