وقال أنس: صلى بنا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - العصر، فأتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! إنا نريد أن ننحر جزورًا، وإنا نحبّ أن تحضرها، قال:"نعم"، فانطلق وانطلقنا معه، فوجد الجزور لم تُنحر، فنحرت، ثم قطعت، ثم طبخ منها، ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس، ومحال أن يكون هذا بعْدَ المِثْلَين.
وفي "صحيح مسلم" عنه: "وقت صلاة الطهر ما لم يحضر العصر"، ولا معارض لهذه السنن في الصحة ولا في الصراحة والبيان، فردَّتْ بالمجمل من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومَثَلُ أهل الكتاب قبلكم بهمثل رجل استأجر أجيرًا، فقال: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ... "إلخ.
وياللهِ العَجَبُ! أيُ دلالة في هذا على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثلين بنوع من أنواع الدلالة؟! وإنّما يدل على أن من صلاة العصر إلى غروب الشّمس أقصر من نصف النّهار إلى وقت العصر، وهذا لا ريب فيه، انتهى.
(وآخره) أي: آخر وقت العصر؛ صيرورة ظله مثيله.
قال الشافعي:"آخر الوقت المختار للعصر أن يكون ظل كل شيء مثيله.
وقيل: إلى أن تصفَرَّ الشمسُ، وآخر وقت الضرورة مغيبُ الشّمس" كذا في "المُسوى".
وفي "الحُجة البالغة": وكثير من الأحاديث يدلُّ على أن آخر وقت العصر أن تتغير الشمس، وهو الذي أطبق عليه الفقهاء، فلعل المثلين بيان لآخر الوقت المختار والذي يستحب فيه، أو نقول: لعل الشرع نظر -أولًا- إلى المقصود من اشتقاق العصر، أن يكون الفصلُ بين كل صلاتين نحوًا من ربع النهار، فجعل الأمَدَ الآخِرَ بلوغ الظل إلى المثلين، ثم ظهر من حوائجهم وأشغالهم ما يوجب الحكم بزيادة الأمد.
وأيضًا معرفة ذلك الحد تحتاج إلى ضرب من التأمل وحفظ الفيء الأصلي ورصده.