الكذب والخلف، فقالوا: الكذب فيما مضى وهو أن تقول: «فعلت كذا» ولم تفعله، والخلف فيما يستقبل وهو أن تقول:«سأفعل كذا» ولا تفعله. فيقال خلف وعده، ولو قيل في ذلك:«كذب فلان في وعده» لم يكن بعيدًا أي لم يأت به على ما وعده وضعف فيه.
والكلام في الإخبار على أوجه، فمنه: مستقيم حق، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، ومستقيم حسن، ومحلا، ومحال كذب، فأما المستقيم الحق فقولك:«خرج عبد الله أمس»، «وقدم عمرو أول من أمس» إذا أخبرت بذلك وقد كان.
وأما المستقيم الكذب فأن تخبر بذلك ولم يكن فيكون مستقيمًا في الوضع كذبًا، ومنه «شربت ماء البحر» إذا أردت جميعه، وكذلك «حملت الجبل» إذا أردت جميعه. فهذا مستقيم في الوضع كذب لأن البينة تدفع أن يكون هذا.
وأما مستقيم القبيح فأن تضع اللفظ غير موضعه نحو قولك: قد زيد رأيت، وكي زيد يأتيك، ولم أخاك أضرب، وما أشبه ذلك، فهو مستقيم لأنه لا نقص فيه ولا إحالة وهو قبيح في الوضع لأنك أوليت «قد» و «كي» و «لم» الأسماء، وإنما هي للأفعال وكذلك ما أشبهه.
فأما المستقيم الحسن فقولك: لم أضرب زيدًا، ولن أقصد محمدًا، وسوف أقصدك وما أشبه ذلك.
وأما المحال فأن تنقص آخر كلامك بأوله، وأوله بآخره نحو قام زيد غدًا، وسأقوم أمس، وإنما صار محالاً لأنه لا يصح له معنى.
وأما المحال الكذب فقولك: شربت ماء البحر غدًا، فهو محال لأن شربت ماض وقد زعمت أنه في غد فهذا محال، وهو كذب لأنك زعمت أنك شربت ماء البحر وليس هذا في طاقة أحد وهذا إذا أردت به كله على ما ذكرت لك.
فإن قال قائل:«شربت ماء البحر» وهو يريد بعضه فذلك سائغ في كلام العرب وهو خارج من هذا المقصد. وهذا مذهب سيبويه ومن تابعه في محال الكذب.