وذكر صاحب العين أنه يؤثر عن بعض السلف أنه قرأ «ليخرجن الأعز منها الأذل» أي ليخرجن الأعز منها ذليلاً. وهذه القراءة في مذاهب العربية رديئة مردودة لأن في الأذل الألف واللام فلا تكون حالاً لأنها معرفة والحال لا تكون إلا نكرة، وإنما القراءة التي عليها الجماعة:«ليخرجن الأعز منها الأذل» أي ليخرجن العزيز الذليل من المدينة، وهذا قول المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رحمهم الله -».
فإن قال قائل: فقد جاءت عن العرب أشياء من الأحوال معارف مثل قولهم: «رجع عوده على بدئه» و «الناس فيها الجماء الغفير»، و «دخلوا الأول فالأول» فقد يجوز أن يكون أيضًا مذهب من قرأ «ليخرجن الأعز منها الأذل» بتأويل ليخرجن العزيز منها ذليلاً على هذا الوجه الذي جاءت فيه بعض الأحوال معرفة.
قيل له: هذه الأشياء التي جاءت معارف من الأحوال شواذ لا يقاس عليها، ولا يحمل كتاب الله على الشواذ وعلى ما مجراه مجرى المطروح المتروك الذي لا يقاس، ومع ذلك فإن سيبويه يذهب إلى أن هذه الأشياء التي جاءت بلفظ المعارف من الأحوال تقدر تقدير النكرات بتأويلات قد ذكرها. والخليل يذهب إلى مثل ذلك إلا في قوله:«دخلوا الأول فالأول» فإنه ذكر أن العرب تكلمت به على إلغاء الألف واللام كأنهما لم يذكرا. وهذا شاذ جدًا، وما كان هذا سبيله فلا يحمل عليه كتاب الله عز وجل لا سيما والقراء المأخوذ عنهم الأعلام متفقون على القراءة الجيدة وهي:«لنخرجن الأعز منها الأذل» أي: ليخرجن العزيز منها الذليل. والمعنى يدل على صحة هذا وفساد تلك القراءة لأن المنافقين إنما توعدوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يخرجونهم من المدينة لعزهم واقتدارهم لضعف الإسلام والمسلمين إذ ذاك ولم يريدوا أنه يخرج العزيز منها ذليلاً لأنه لم يكن عندهم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعزاء فيقصدوا لإذلالهم.
والوجه الثالث: أن يكون العزيز بمعنى القوي، يقال:«عز فلان بعد ضعف»