الأكل يأتي على كل شيء، فجعل كما ترى الأصل الأرض الجرز ورد عليها ما سواها من لفظها ومعناها، وهو قول الاشتقاق.
وقال في قوله عز وجل:{فاصدع بما تؤمر} أي: افرق بين الحق والباطل. ومن ذلك قوله عز وجل:{يومئذ يصدعون} أي: يفترقون. وقال جرير:
أعاذل مالي لا أرى الحي ودعوا ... وبانوا على نياتهم وتصدعوا
ألا تراه جعل الأصل قوله:{فاصدع بما تؤمر} أي افرق، ثم رد عليه قوله:{يومئذ يصدعون} بقوله: ومن ذلك قوله: {يومئذ يصدعون}.
وقال في قوله عز وجل:{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} قال: الأسفار: الكتب واحدها سفر، سمي بذلك لأنه يسفر عما في نفس كاتبه أي: يكشفه ويبينه، ومن ذلك قيل:«سفرت المكان»: أي كشفته بالتنظيف له. وبهذا سمي المسافر لأنه يفارق المسكن والبيت ويظهر للبادية والطروق. ويقال للرسول بين القوم سفير وسافر لأنه يظهر ويكشف لبعضهم عن بعض. فهذا هو الاشتقاق، ورد بعض الكلام إلى بعض.
وهذا الكتاب - أعني كتاب الأمثال لنفطويه في القرآن - مشهور معروف، وفيه هذا الذي ذكرته لك، وأكثره على هذا، ولولا كراهة الإطالة لبينت كل ما فيه من هذا النوع، ولكن من نظر فيه وقف على ما ينبه عليه. وأما ما روي عنه من قوله برد الاشتقاق فيما يصح مع هذا إلا أن يكون قد رجع عنه أو ناقض كما ترى.
ومن دفع الاشتقاق فقد خرج عن مذاهب أهل اللغة في الجموع، والمصادر، وما ينصرف وما لا ينصرف، والتصريف، وأزال عن نفسه مرونة النعت في تحصيل هذه الأشياء ومعرفة حقائقها المحتاج فيها إلى الاشتقاق.