وأعلم علمًا ليس بالشك أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وإذا لزمان مستقبل. وكعلم الإنسان إذا رأى نخلة قد أطلعت أنها ستثمر، وإذا رآها تناثر طلعها أنها لا تثمر، وقد يجوز أن تأتي عليها آفة تهلك ثمرها فلا تثمر إلا إن ذلك يعلم على العرف والعادة الجارية في ذلك كما أنه جائز أن تكون النخلة التي قد تناثر طلعها يطلع الله تعالى عز وجل فيها طلعًا ثانيًا فتثمر. وكما أنه جائز أيضًا أن لا يلي شهره شهر، ولا يومه يوم إن أراد الله عز وجل إفناء العالم ذلك الوقت. وقد يكون العلم بالشيء بعد عدمه كيف كان حين وجوده.
وإنما دللنا من طريق اللغة والعرف على أن العلم ببعض الأشياء قد يقع قبل كونها بالدلائل والعرف، فإذا كان ذلك من الآدميين جائزًا، وفي كلام العرب سائغًا مستفيضًا جاز أن يقال: إن الله عز وجل كان عالمًا بالأشياء قبل كونها كيف تكون بمشيئته عند كونها، وإن لم تكن موجودة حين علمه بها، فيكون العالم قد تعلق بمعلوم غير موجود في حال العلم به لأن [علم]
الله عز وجل ليس كعلم الآدميين، وهو يعرف الأشياء على حقائقها بغير استدلال ولا سبب عز وجل وعلا علوًا كبيرًا. فأما قول زهير:
وأعلم ما في اليوم والأمس قيله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي
فإنما أراد أن ينفي علم الغيوب عن نفسه، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. وإنما تلك أشياء قد جرى العرف والعادات بمعرفتها بالاستدلال والعلامات.
ويقال:«رجل أعمى العين» و «عمي القلب» فلذلك قال: «ولكنني عن علم ما في غد عمي».
وقد يكون علمت بمعنى «عرفت» فيتعدى إلى مفعول واحد كما قال عز وجل