فإن قال قائل: فإذا كان بصير بمعنى عليم فما وجه وصفه بهما إذا كانا بمعنى واحد وإلا اقتصر على أحد اللفظين دون الآخر إذ كان المعنى واحدًا؟ قيل له: إن البصير ليس بمعنى عليم فقط وله أوجه أحدها عليم، وإنما ذكرنا وجوهه المحتملة له. فجائز أن يكون بصير بمعنى عليم، وإنما ذكرنا وجوهه المحتملة له. فجائز أن يكون بصير بمعنى عليم وجائز أن يكون بغير [هذا المعنى]
على ما سنشرحه.
وإذا كان بمعنى عليم فليس بمنكر أن يوصف بصفتين مختلفتي اللفظ لمعنى واحد وذلك موجود في كلام العرب من اختلاف اللفظتين لمعنى واحد وذلك أن كلام العرب كله منقسم على ثلاثة أقسام: منه ما اختلف لفظه لاختلاف معناه كقولهم: رجل وفرس وثوب وغلام وما أشبه ذلك. وهو جمهوره ومعظمه، ومنه ما اتفق لفظه واختلف معناه كقولهم: رجل ضرب: خفيف الجسم، والضرب: الصنف من الأشياء، والضرب مصدر ضربت في الأرض ضربًا، وضربت الرجل ضربًا، كقولهم: البعل لزوج المرأة، والبعل: الصنم، والبعل: ما شرب من النخل بعروقه واستغنى عن السقي، والبعل: من كان ثقلاً على أهله إلى نظائر لهذا كثيرة جدًا مشهورة معروفة عند أهل اللغة، وضرب منه اختلف لفظه واتفق معناه كقولهم للسيف: السيف والعضب والحسام، والقاضب والقاطع، والباتر إلى أوصاف له كثيرة بمعنى القطع بألفاظ مختلفة، إلى نظائر لهذا يكثر تعدادها. فكذلك يكون البصير والعليم بمعنى واحد بلفظتين مختلفتين إذا أريد بالبصير معنى العليم.
والوجه الثاني من وجوه البصير أن يكون من نعوت المبالغة في أن المبصرات لا تخفى عليه، وليس بمتعد إلى مفعول كما لا يتعدى عليم وقدير، وما أشبه ذلك في أحد وجهيهما إذا أريد بهما وصف الذات بالعلم والقدرة كما ذكرت لك في ظريف وشريف وما أشبه ذلك. فإذا قصد به هذا الوجه لم يتعلق بمفعول بل يكون من طريق مدح الذات، وقد مضى شرح هذا.