للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقيم مسالحه (١). وكان يؤنسه أن يستمع في هدأة الليل إلى هذا الهتاف البعيد، وإلى صليل الأبواق وهزيم الطبول وهو يطرز حواشي السكون في هذا الليل الساجي؛ إنهم جنده الذين خاضوا معه لجج القتال المر، وشاركوه جنى النصر الحلو على أبواب قرطبة دار الصيد الأعزة من بني أمية يوم فُتحت له أبواب قرطبة، وفي «الزلاقة» يوم ساق الأذفونش فيالقه وجيوشه ليمحو - بزعمه - الإسلام من الأندلس فمُحي جيشه، ولولا المعتمد وجنده ما هُزم الأذفونش، ولكان المرابطون هم أصحاب الهزيمة يوم الزلاقة.

وأغفى الملك وهو يداعب ذكر ذلك الظفر، ويطوي سمعه على ضجيج جيشه الذي يحبه ويعتز به، ويود لو أن هذا الجيش قصر عزمه وبأسه على قتال الإسبان ولم يسئ إلى البطولة بحربه الإخوة المسلمين. ورأى الملك في منامه كأن هذا النشيد المدوي الذي نام عليه قد قوي واستفاض حتى رجعت أصلادُ إشبيلية صليلَه وعزيفَه (٢)، وعَظُمَ إرعاد تلك الطبول حتى أوشك أن يهز سريره بين جدران قصره، وخالطه صراخ وضوضاء، ففتح عينيه وأفاق مرتجفاً وأصاخ فسرعان ما أدرك: إنه العدو قد طرق المدينة، إنهم فرسان البربر الذين قلبوا له ظهور المجَانّ، فتخلوا عن ثغورهم


(١) المَسالح جمع مَسْلَح، وهو الموضع الذي يقف فيه الجند بالسلاح للحراسة والمراقبة والدفاع (مجاهد).
(٢) الصّليل هو الصوت ذو الرنين، والعَزيف: صوت الرمال إذا هبت بها الرياح أو صوتٌ يُسمَع في الصحارى ليلاً (مجاهد).

<<  <   >  >>