أقوى وأقفَرَ من نُعمٍ وغيّره ... هوج الرياح بهابي الترب مَوّار
ويهم أصحابه بالرحيل لطيتهم، يحسبون الشاعر قد آب إلى نفسه واستوفى من زيارة الدار مُناه، ويسايرهم يريد براحاً، ولكنه لا يستطيع، ويجد نفسه معلقاً بالديار؛ قلبه نهب بأيدي الذكرى وحياته مبعثرة في نواحي الربع، فيقف ناقته المأمونة ويرجع ليسأل الدار عن نعم وآلها:
وقفتُ فيها سُراة اليوم أسألُها ... عن آل نُعمٍ أموناً عبرَ أسْفَارِ
فاستعجمَتْ دارُ نُعمٍ ما تكلّمُنا ... والدار لو كلّمَتْنا ذاتُ أخبار
والدار سجل الماضي الحلو، والدار كتب الحب، فيها ولد ونما، وعلى هذه التلال الطرية الفاتنة، في الليالي الساجية ذات النجوم الساهرة، وفي ظلال تلك الشعاف البعيدة في مدخل الوادي المتلوي الرهيب، إذ ينفردان فيه في شدة الهاجرة، يأويان إلى ظله وبرده فيحيله الحب جنة عدن. وعلى الغدير إذ يصب فيه القمر زُلاله الصافي النمير ... كم شهدت هذه المغاني من صور الحب وكم حفظت من ذكرياته!
خبّري يا دار عن الحبيب وآله: ماذا حل بالحبيب؟ يا دار! قد ذهبت المجالس، وقُوّضت الخيام، وأقفرت من أهلها المنازل،