بالمعروف أي أكل أمثاله من الفقراء، فهل له أن يأكل ما زاد على أجرة المثل أم يأكل أقل الأمرين منهما، فمثلاً إذا كانت أجرة العمل في مال اليتيم تقدر بثلاثة آلاف ريال في السنة، والولي إذا أكل بالمعروف أي: أكل أمثاله من الفقراء، سيأكل ما مقداره أربعة آلاف ريال، فهل له أكل ما زاد على أجرة المثل في هذا، وهو ألف ريال. اختلف العلماء في هذا على قولين. أصحهما أن له أن يأكل أكل أمثاله من الفقراء، ولو زاد ذلك على أجرة المثل، لأن هذا ما يدل عليه ظاهر الآية، ولأن الولي ليس كالأجير الأجنبي في مراعاة مال اليتيم، فكيف يلحق بالأجنبي.
وقال بعض الفقهاء له أقل الأمرين: إما أجرة المثل، أو الأكل بالمعروف، ولا يجوز له الزيادة على ذلك (١)، ولا دليل لهم في هذا، اللهم إلا الاحتياط ولا احتياط مع النص.
٢٥ - مراعاة الشرع في أحكامه للظروف والأحوال، وتنزيل كل حال منزلتها، لقوله:{وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكل بِالْمَعْرُوفِ} فقد منعت الآية الولي الغني من الأكل من مال اليتيم، وأباحت ذلك للفقير، وهذا دليل على حكمة الله عز وجل فيما شرع، وعلى سمو مبادئ الشريعة.
٢٦ - بلاغة القرآن الكريم في المقابلة بين قوله:(ومن كان غنيًّا فليستعفف) وقوله: (ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف).
٢٧ - اعتبار العرف والرجوع إليه في الشرع، لقوله تعالى:{فَلْيَأكل بِالْمَعْرُوفِ} أي ما عرف من أكل أمثاله من الفقراء.
٢٨ - التوكيد على وجوب دفع أموال اليتامى إليهم، لقوله:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ولم يقل: فإذا دفعتموها إليهم. علماً أنه سبق ذكر الأموال قبل هذا، وهذا إطناب الغرض منه التوكيد على وجوب دفعها إليهم.
٢٩ - وجوب الإشهاد على دفع الأموال إلى اليتامى، لقوله تعالى:{فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} والأصل في الأمر الوجوب. وعلى هذا لو ادعى الوصي
(١) انظر «الجامع لأحكام القرآن» ٥/ ٤٤، «مجموع الفتاوى» ٣١/ ٣٢٣٢، «تفسير ابن كثير» ٢/ ١٨٩.