للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جرى لأبي جهير، فأنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين، وظن ذلك تكلفًا وتصنعًا؛ كما قال ابن سيرين: بيننا وبين الذين يصعقون عن سماع القرآن أن يقرأ واحد منهم على رأس الحائط، فإن خر فهو صادق، ومنهم من أنكره؛ لأنه رآه بدعة مخالفة لما عرف من هدى الصحابة - رضي الله عنهم -، والذي عليه الجمهور من هؤلاء أنه إذا كان مغلوبًا لم ينكر عليه، وإن كان حال الثبات أكمل منه ولهذا لما سئل أحمد عن هذا، قال: قرىء القرآن على يحيى بن سعيد فغشي عليه، وأخذ أن يدفع عن نفسه، ولو قدر لدفعه، فما رأيت أعقل منه.

ونقل عن الشافعي: أنه أصابه ذلك، وكذلك عن الفضيل بن عياض. وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه؛ لكن أحوال الصحابة ? هي التي ذكرت في القرآن من وجل القلوب ودمع العيون واقشعرار الجلود، وقد ينكر أحوال هؤلاء من عنده قسوة قلب لا يلين عند تلاوة القرآن، ويغلو فيهم من يظن أن حالهم أكمل الأحوال، فكل من الطرفين مذموم، بل المراتب ثلاثة، ظالم لنفسه الذي هو قاس القلب لا يلين للقرآن، ولا للذكر ففيه شبه من اليهود لقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: ٧٤]. الآية.

والثاني: حال الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا يصعق صعق موت، أو يشي لقوة الوارد، وليس هذا بعلامة على الإيمان أو التقوى، فإنه قد يحصل لمن يفرح أو يحزن أو يخاف أو يحب، ففي عشاق أهل الصور من أمرضه العشق أو قتله أو جننه وكذلك في غيرهم.

والحاصل أنه إذا لم يكن ثم تفريط ولا عدوان ولا ذنب له فيما

<<  <   >  >>