للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

شَبَّهَ الْوَحْيَ الَّذِي أَنْزَلَهُ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ بِالمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ لِحَيَاةِ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ.

وَشَبَّهَ الْقُلُوبَ بِالْأَوْدِيَةِ، فَقَلْبٌ كَبِيرٌ يَسَعُ عِلْمًا عَظِيمًا كَوَادٍ كَبِيرٍ يَسَعُ مَاءً كَثِيرًا وَقَلْبٌ صَغِيرٌ إنَّمَا يَسَعُ بحسبه كَالْوَادِي الصَّغِيرِ، فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا، وَاحْتَمَلَتْ قُلُوبٌ مِنْ الْهُدَى وَالعِلم بِقَدَرِهَا؛ وَكَمَا أَنَّ السَّيْلَ إذَا خَالَطَ الْأَرْضَ وَمَرَّ عَلَيْهَا احْتَمَلَت غُثَاءً وَزَبَدًا فَكَذَاكَ الْهُدَى وَالْعِلْمُ إذَا خَالَطَ الْقُلُوبَ أَثَارَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ لِيَقْلَعَهَا وَيُذْهِبَهَا، كَمَا يُثِيرُ الدَّوَاءُ وَقْتَ شُرْبِهِ مِنْ الْبَدَنِ أَخْلَاطَهُ فَيَتَكَدَّرُ بِهَا شَارِبُهُ، وَهِيَ مِنْ تَمَامِ نَفْعِ الدَّوَاءِ، فَإِنَّهُ أَثَارَهَا لِيذهَب بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُهَا وَلَا يُساكنها؛ وَهَكَذَا ﴿يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ (١).


(١) وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٧٩)، ومسلم رقم (٢٢٨٢) عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».
قال في «الوابل الصيب»:
فجعل النبي الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين قاموا بالدين علمًا وعملًا ودعوة إلى الله ﷿ ورسوله ، فهؤلاء أتباع الرسل صلوات الله عليهم وسلامه حقًّا، وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت، فقبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فزكت في نفسها، وزكا الناس بها.
وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة؛ ولذلك كانوا =

<<  <   >  >>