فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن: الطبقة الثانية: فإنها حفظت النصوص، وكان همها حفظها وضبطها، فوردها الناس وتلقوها منهم، فاستنبطوا منها، واستخرجوا كنوزها، واتجروا فيها، وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات، فاستخرجوا غوامضها وأسرارها، ووردها كل بحسبه ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾. وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي ﷺ: «نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، مقدار ما سمع من النبي ﷺ لم يبلغ نحو العشرين حديثًا الذي يقول فيه: «سمعت» و «رأيت»، وسمع الكثير من الصحابة، وبورك في فهمه والاستنباط منه حتى ملأ الدنيا علمًا وفقهًا. قال أبو محمد بن حزم: وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار. وهي بحسب ما بلغ جامعها، وإلا فعلم ابن عباس كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس، وقد سمع كما سمعوا، وحفظ القرآن كما حفظوا، ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي وأقبلها للزرع، فبذر فيها النصوص، فأنبتت من كل زوج كريم: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. =