وهكذا الناس بعده قسمان: قسم حفاظ: معتنون بالضبط، والحفظ، والأداء، كما سمعوا، ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه. وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص، والتفقه فيها. فالأول كأبي زرعة، وأبي حاتم، وابن وارة. وقبلهم: كبندار محمد بن بشار، وعمرو الناقد، وعبد الرزاق. وقبلهم: كمحمد بن جعفر غندر، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم من أهل الحفظ والإتقان والضبط لما سمعوه، من غير استنباط وتصرف، واستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص. والقسم الثاني: كمالك، والليث، وسفيان، وابن المبارك، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، والإمام أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبي داود، ومحمد بن نصر المروزي، وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية. فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله تعالى به رسوله ﷺ، وهم الذين قبلوه ورفعوا به رأسًا. وأما الطائفة الثالثة: وهم أشقى الخلق، الذين لم يقبلوا هدى الله ولم يرفعوا به رأسًا، فلا حفظ، ولا فهم، ولا رواية، ولا دراية، ولا رعاية. فالطبقة الأولى: أهل رواية ودارية. والطبقة الثانية: أهل رواية ورعاية، ولهم نصيب من الدراية، بل حظهم من الرواية أوفر. =