أنه سبحانه وصف نفسه بأن له المثل الأعلى، فقال ﷾: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)﴾ [النحل: ٦٠].
فجعل مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال للمشركين وأربابهم، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها له وحده؛ ولهذا كان المثل الأعلى وهو أفعل تفضيل، أي: أعلى من غيره فكيف يكون أعلى وهو عدم محض ونفي صرف، وأي مثل أدنى من هذا؟ ﷾ الله عن قول المعطلين علوًّا كبيرًا.
فمثل السوء لعادم صفات الكمال؛ ولهذا جعله مثل الجاحدين لتوحيده، وكلامه، وحكمته؛ لأنهم فقدوا الصفات التي من اتصف بها كان كاملًا.
وهي: الإيمان، والعلم، والمعرفة، واليقين، والعبادة لله، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والصبر، والرضا، والشكر، وغير ذلك من الصفات التي اتصف بها من آمن بالآخرة، فلما سلبت تلك الصفات عنهم، وهي صفات كمال صار لهم مثل السوء فمن سلب صفات الكمال عن الله، وعلوه على خلقه، وكلامه وعلمه وقدرته ومشيئته وحياته، وسائر ما وصف به نفسه، فقد جعل له مثل السوء، ونزهه عن المثل الأعلى فإن مثل السوء هو العدم، وما يستلزمه، وضده المثل الأعلى، وهو: الكمال المطلق المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره، ولما كان الرب ﷾ هو الأعلى، ووجهه الأعلى، وكلامه الأعلى،